نساء في سينما الشرق الأوسط
04 مارس 2012

بقلم فيولا شفيق
على مدى الأعوام الثمانين الماضية، شهد دور المرأة في السينما تطوراً هائلاً، فقد لعبت نساء من مختلف الانتماءات في مصر دوراً محورياً على هذا الصعيد: فبرزت في أواخر العشرينات وبداية الثلاثينات فنانات كفاطمة رشدي وغيرها من الفنانات في مجالات الكتابة والإخراج، ساهمن من أموالهن الخاصة في سبيل تطوير الصناعة. أحد أول الأفلام الروائية المصرية الطويلة كان فيلم “ليلى” في العام 1927، الذي أنتجته وشاركت في إخراجه الممثلة المسرحية عزيزة أمير. وكذلك فعلت اللبنانية أسيا داغر حين خاضت التجربة بفيلم “غادة الصحراء” في العام 1929، والتي عرفت كإحدى رائدات السينما المصرية حتى الثمانينات، مع الإشارة إلى أنها ظهرت أيضاً على الشاشة مع بهيجة حفيظ، وهي مؤلفة موسيقية أخرجت وشاركت في بطولة الدراما التي تناولت العصور البورجوازية “ليلى البدوية” في العام 1937.
والجدير ذكره هنا، أن عدداً من المطربات لعبن أيضاً أدواراً أساسية في نشأة السينما المصرية في حقبة الثلاثينات، لتمتد شهرتهن إلى خارج موطنهن الأصلي. من أبرزهن، كوكب الشرق المطربة أم كلثوم، واللبنانية أسمهان، لتتبعهن ساندريلا الشاسة، ليلى مراد، التي مهدّت السكة لاحقاً لنماذج عُرفن بأسلوب الإغراء كهدى سلطان وشادية وصباح.
لاحقاً، كان لابتعاد المطربات عن الشاشة، الأثر الكبير في بزوغ نجم ممثلات الدراما، أمثال فاتن حمامة والتي ظلّت متربعة على عرش الدراما من دون منازع حتى أوائل التسعينيات. لتنضم إليها لاحقاً هند رستم والموهبة الفذة سعاد حسني، ومن بعدهن جيل جديد شهد على تألق مديحة كامل وناديا الجندي وليلى علوي. هذا بالإضافة إلى عدد من الراقصات الشرقيات اللواتي ساهمن في تسويق الرقص الشرقي من خلال استعراضات قدمنها في أفلامهن. وكانت أبرزهن تحية كاريوكا وسامية جمال في الأربعينات والخميسنات، وراقصة المنوعات نعيمة عاكف في الخمسينات، ومن ثم نيللي في السبعينات وشريهان في الثمانينات، لتضيء من خلال أعمالهن على الموسيقى المحلية في أغاني الأفلام ومسلسلات شهر رمضان.
كان من الصعب جداً على أي فنانة بلوغ النجومية والانتشار في كافة أقطار العالم من دون المرور ببوابة السينما المصرية، على الرغم من وجود بعض الحالات الاستثنائية، نذكر منها المطربة اللبنانية فيروز، وبعض الفنانات الأقل شهرة كسهورة، وقمر ونوال فريد واللواتي كسبن شهرتهن قبل اندلاع الحرب الأهلية في لبنان في العام 1975 عندما كانت صناعة الأفلام اللبنانية طاغية على الانتاجات المصرية. بالمقابل، فقد حصدت المطربتان اللبنانيتان أسمهان (1940) وصباح (1950 إلى 1960)، والمطربة الجزائرية وردة الجزائرية وحديثاً الممثلة التونسية هند صبري، شهرتهن من خلال ظهورهن في الأفلام المصرية.
ساهمت تونس إلى حد كبير في تقديم ممثلات موهوبات للساحة الفنية على مر السنوات الماضية، على الرغم من فشل هايدي شيكلي في انتزاع رضى عائلتها لدخولها عالم الفن بشكل رسمي، إلاّ أنها ظهرت في أول فيلمين تونسيين، الفيلم القصير “زهرة” في العام 1922 ، والفيلم الطويل “بنت من قرطاج” في العام 1924، والذي أخرجه والدها ألبير شيكلي. بعد الاستقلال، أثرت الحركة المسرحية التي نشأت بفضل دعم العشرات من الفرق الفنية، الساحة التونسية التي وهبت ممثلات تونسيات قديرات، من بينهن منى نور الدين، جليلة بكار، هيلين كاتزارا، غاليا لا كروا و أمل هديلي. لم تنسحب الحالة الفنية التونسية على جارتها الجزائر، التي لم يظهر فيها حركة مسرحية مثيلة لتلك التي ظهرت في تونس، في المقابل، أطّلت الممثلة كلثوم والتي لعبت دوراً أساسياً في مناهضة الاستعمار، في فيلم رياح الأوراس في العام 1966، وكانت حينها من القلائق اللواتي تعاملن مع شركة أوروبية في إنتاج فيلم عن حقبة الاستقلال .
منذ فترة ليست ببعيدة، طغت نزعة ذات بعد ديني وأخلاقي على الأجواء الفنية، لتشكّل عائقاً أمام استمرار الفنانات، اتخذت على أثرها بعضهن قرار الاعتزال في الفترة الممتدة ما بين أواخر 1980 حتى العالم 1994. إلى ذلك شهدت الأعوام القليلة الماضية نهضة سينمائية فتحت المجال أمام عودة المرأة إلى السينما من جديد.
في يومنا هذا، باتت أعداد النساء اللواتي تظهرن على الشاشة أو تعملن في مجال الكتابة والإخراج في كل من قطر، الإمارات والكويت، بتزايد مستمر. أما في ما خصّ السينما اللبنانية، فيبدو أنها تشهد نمواً سريعاً، ساهم في بروز نجمات كنادين لبكي، التي بدأت مسيرتها كمخرجة فيديو كليب، وها هي اليوم تحتفل بجوائز عالمية حصدها فيلمها الأخير“وهلأ لوين” الذي دعمته مؤسسة الدوحة للأفلام.
Where Do We Go Now? - By Nadine Labaki
فيلم وهلأ لوين؟ إخراج نادين لبكي
فيولا شفيق هي كاتبة “السينما العربية: تاريخ وهوية ثقافية”.