المدوّنة

العودة الى القائمة

أقوم بالقرصنة أو لا أقوم

15 يناير 2013

بالنسبة للكثيرين، إن السؤال “أقوم بالقرصنة أو لا أقوم” يصبح لا معنى في ظل قلة الوازع الأخلاقي وازدياد عدد الناس الذين يعتمدون على أجهزة الكبيوتر للحصول على المحتوى الرخيص والجاهز. بينما تواصل الشركات الإعلامية وضع القيود على الجمهور لمشاهدة ومشاركة وتجربة فيلم ما، فإن وجود وسائل إنترنت أرخض وأكثر فاعلية وكفاءة، تدفع المزيد من المستهلكين التوجه لتنزيل المحتوى للتخلص من القيود. إن الدخول الفوري إلى أي محتوى جذاب جداً خصوصاً في ظل إعداد مواقع لمشاركة الملفات التي تشكل شبكة من القيّمين على الإعلام الرقمي. أصبحت القرصنة أمراً مقبولاً عند الكثيرين في الشرق الأوسط والعديد من البلدان وتم ربطها بالحرية من الرقابة، وفي بعض الحالات يمكن أن تشكل ميزة إيجابية لصانعي الأفلام الصاعدين.

بالرغم من أن المفهوم العام عن القرصنة هو العمل الأسود للإنترنت، حوّلت مواقع مثل Pirate Bay تزويد المحتوى إلى نشاط إجتماعي. فالمستخدمون يفتخرون بجودة المحتوى الذي حصوا عليه من خلال القرصنة، ويضيفون إليه الشعارات ويبحثون عن المزيد المثالي ذات الجودة البصرية والسمعية العالية وحجم الملف المناسب. بالنسبة لأولئك الذين يعتمدون القرصنة، هذا المجتمع ظاهر للغاية ليس في عالم الإنترنت فحسب، بل أيضاَ في العالم الحقيقي. فالأصدقاء والزملاء يتشاركون الأفلام والموسيقى عبر الأقراص الصلبة، وهذا يحمل مشاركة المعلومات إلى العالم الحقيقي ما يتيح لها بأن تصبح جزءاً من سلوك اجتماعي عام. هذا الأمر ظاهر بوضوح عند 29 مليون بالغ أميركي شاهدوا أفلاماً تم تنزيلها بطريقة غير قانونية. ومع دخول هذا الأمر إلى الحياة اليومية، أصبح من الصعب للكثيرين فهم الجانب غير القانوني لتنزيل الأفلام والموسيقى والبرمجيات. ويبدو بأن الجهل في الإنترنت وسهولة تنزيل الأفلام حرفت رأي الجمهور عن لاأخلاقية القرصنة.

تعمل الإنترنت الآن كمضيفة لعالم من المحتوى، تاركة مزودي المحتوى يصارعون ليتأقلموا مع الموجة الجديدة من مشاركة المعلومات. عادة ما ينزّل الناس الأفلام ويشاركونها مع الآخرين لأنهم لا يملكون قدرة الدخول إلى المحتوى. ومع وجود مناطق وتواريخ إصدار ومعايير مختلفة تحدد من يمكنه مشاهدة ماذا ومتى، ازدادت العوائق للوصول إلى المحتوى. يشكل هذا الأمر جدلاً كبيراً في العالم العربي، باعتبار أن الدخول إلى المحتوى ليس محدوداً ويتألف عادة من مواد محظورة أو مراقبة. والقرصنة أو مشاركة الأفلام منتشرة في المجتمعات التي يتعرض فيها المحتوى للحواجز أو المنع. بالإضافة إلى ذلك، يتطلع الكثير من الجمهور إلى المحتوى الخالي من الرقابة. إن قدرة المستهلكين على مشاركة الأفلام مرتبطة مباشرة بحريتهم مشاهدة وتجربة الأفلام التي لم يستطيعوا الوصول إليها أبداً. والحرية والقرصنة مرتبطتان أيضاً بالشرق الأوسط، وبالتالي لا يرغب المشاهدون عندها بالتسليم للحكم الذي توفره التكنولوجيا.

من العراق إلى المغرب، توفر الأسواق غير الشرعية قدرة الدخول إلى إنتاجات هوليوود والأفلام المستقلة. بالنظر إلى أن صناعة الأفلام في الشرق الأوسط لا تزال في مرحلة التطور، يمكن أن تشكل القرصنة لصانعي الأفلام الجدد وسيلة قيّمة للترويج والتسويق. إن القرصنة عمل عالمي وفوري، وبالتالي فإن تحميل الأفلام على موقع يشارك الملفات يساهم في نقلها إلى جمهور أوسع، وبالتالي الوصول إلى جمهور متنوع حول العالم. توجه صانع الأفلام الكيني باتريك موريثي إلى القراصنة لمساعدته في الترويج لفيلمه بسبب قيود في الميزانية. يمكن إيجاده على تويتر يشارك عمله مع المهتمين بكل حرية. كل ما يطلبه من المشاهدين وعشاق الأفلام هو مشاركة فيلمه بشكل واسع وتقديم آرائهم وتعليقاتهم. إن فكرة موريثي للتوزيع جديدة وتثبت بأن العلاقة بين مزود المحتوى والمشاهد يمكن أن تكون إيجابية وحيوية حتى لو كانت القرصنة عاملاً رئيسياً بذلك.

أصبح موضوع القرصنة والحرية على الإنترنت بشكل عام محل نقاش واسع في الأشهر الأخيرة، خصوصاً مع إغلاق العديد من الشركات العملاقة على الإنترنت مواقعها احتجاجاً على سوبا وبيبا (أوقفوا القرصنة على الإنترت) التي اقترحتهما تشريعات الولايات المتحدة، وبالتالي لم يتم تبنيهما. سعت هذه التوجهات إلى تقليص القرصنة من المصادر الدوليةن في حين قال المعارضون للقوانين بأنها ستحد من حرية الإنترنت. كانت ردة الفعل من مجتمع الإنترنت غير مسبوقة، مع ضم غوغل وويكيبيديا أكثر من 7000 موقع آخر أوقفت خدماتها احتجاجاً على هذا الإنتهاك غير المسبوق على حرية الإنترنت.

أحد المواضيع الأكثر جدلية ضد القرصنة هو أن تنزيل الأفلام عبر الإنترنت يعطل صناعة الأفلام والموسيقى. تقدر العائدات التي تم خسارتها نتيجة القرصنة بين 200 و 250 مليار دولار. في المقابل يعتبر هذا الرقم مضخماً جداً، خصوصاً وأن النتائج قدمت من قبل صناعة تريد التأثير على الرأي العام. تعتمد هذه الأرقام أيضاً على الإفتراض القائل، بأنه إذا كان المنتج للبيع فإن المشتري سيشتريه حتماً. معظم المستهلكين، وخصوصاً من ذوي الدخل المنخفض، يجدون بأن شراء الأفلام ودفع المال مقابل الموسيقى أمر غالي الثمن للغاية. في النهاية، يستثمر العديد من المستهلكين في التكنولوجيا الجديدة مثل أحدث كمبيوتر محمول أو مشغل موسيقى رقمي يتيح لهم تشغيل ونسخ الموسيقى والأفلام ومشاركة المحتوى، فماذا لا يقومون بذلك؟

بالنظر إلى وجود عدد محدود من أماكن عرض الأفلام المستقلة ومحدوديةالقدرةعلى التوزيع، يمكن للقرصنة هنا أن تساعد في تطوير صناعة سينمائية حيوية من خلال ارتفاع الطلب بين الجمهور. ويمكن لصانعي الأفلام الواعدين أن يستفيدوا من العرض الذي يقوم به القراصنة، بينما يحظى صانعي الأفلام المعروفين بتأثير إيجابي محدود وبسيط جراء القرصنة. في المحصلة، ستواصل القرصنة تطورها مرتكزة إلى تقدم التكنولوجيا على أمل أن توفر أرضية وسطية بين القراصنة وصناعة الأفلام في المستقبل.

blog comments powered by Disqus