المدوّنة

العودة الى القائمة

نقد سينمائي: البريق (ذا شاينينغ)

03 مارس 2013

بقلم ألكسندر وود

تشق سيارة صغيرة طريقها بين جبال روكي المغطاة بالثلج، بينما تردّد الوديان صدى أبواقٍ قوية يخترقها نحيب أنثوي حاد ومرعب. إنه مشهد المقدمة الأيقونية لفيلم “البريق” الذي يعكس الأسلوب الفريد لمخرجه ستانلي كيوبريك. أسلوب ينبؤنا بالأحداث التي تنتظرنا منذ البداية.

يريد كيوبريك بذلك استحضار المتاهة التي لن يستطيع البعض الخروج منها. ويستخدم فيها التصوير من أعلى وعن بعد ليتكوّن لدى المشاهد حساً بمدى ضخامة الطبيعة التي ستجري فيها الأحداث وانعزالها عن العالم. تتلاشى هذه اللحظات المنذرة بخطرٍ قادم، على أصوات جاك (جاك نيكلسون) وويندي تورنس (شيلي دوفال) اللذين يستقلان هذه السيارة مع ابنيهما، وهما يتحدثان عن عائلة دونر الشهيرة، التي احتجزت عام 1846 في الثلوج لفترة طويلة وهي في طريقها للنزوح إلى كاليفورنيا، وانتهى الأمر بأفرادها الأحياء إلى أكل لحوم من ماتوا من البرد والجوع.

ثم نعود إلى موضوع المتاهة والرعب. والمتاهة في الفيلم عنصر رئيسي من العناصر المثيرة للرعب. بعد وصول السيارة الصغيرة إلى وجهتها، نكتشف أن جاك اصطحب عائلته الصغيرة إلى فندق ضخم، ليعمل حارساً له أثناء إغلاقه في موسم الشتاء. وهكذا نجد أنفسنا عالقين بين متاهتيْن. متاهة الطبيعة في الخارج، ومتاهة أروقة الفندق المهجور التي لا تنتهي.

ويعمد كيوبريك إلى ممارسة لعبته الاخراجية باحتراف في هذا الفندق، حيث يخلق مشهداً كاملاً من الأجواء والأحداث المرعبة داخل هذا المكان. يأخذنا أولاً عبره، ويولّد فينا شعوراً بمتاهة حقيقية من الأروقة والغرف التي لا عدّ ولا حصر لها. يستخدم تقنية تصوير الانعكاسات عبر المرايا، وهي تضيف كثيراً إلى الأجواء المرعبة. نرى أيضاً مشاهد أخرى كمصعد يفتح ودماءً تسيل خارجةً منه ببطء شديد لتغرق الكاميرا. ويستخدم كيوبريك أيضاً تقنية الكاميرا التي تلاحق الصغير داني وهو يقود عجلته داخل أرجاء الفندق المهجور، ويصطدم بالظاهرة تلو الأخرى: باب مفتوح، أو شبح توأميْن مقتولتيْن. وهكذا تصبح متابعتنا لجولات داني (داني لويد) على دراجته مشوّقة جداً، اذ نعتاد على أن نصطدم معه بتلك الظواهر المخيفة في أرجاء الفندق.

يتحوّل جاك إلى عنصر خطير بعد أن يبدأ بتلقي الأوامر من الأشباح التي تسكن الفندق، فتتغيّر إضاءة المشاهد من مشرقة وساطعة إلى خفيفة جداً. وهو لا يسمح لزوجته بالاطلاع على إنتاجاته الابداعية التي يعمل عليها أثناء إقامتهم في الفندق، فهو كاتب أيضاً. يطلب منها ألا تدخل الغرفة أبداً أثناء انكبابه على الكتابة. ويعود سبب ذلك إلى أنه أثناء عمله على الآلة الكاتبة يغرق أكثر في عالم من الظواهر الخارقة التي لا يملك أية سيطرة عليها.

ومع الوقت تتضاعف نزعة جاك الاجرامية ويبدأ بملاحقة زوجته وابنه لقتلهما.

أما جمالية فيلم “البريق” فهو في إمكانية تأويل الرسالة التي قصد المخرج أن يوصلها، بطرق مختلفة. قد تكون إحدى هذه التأويلات مثلاً تلميحات إلى المجازر التي ارتكبت في حقّ الأمريكيين الأصليين أي الهنود الحمر، أو الحرب الباردة أو مسألة الهبوط على القمر. فيلم “البريق” متعة بصرية كبيرة، جعلت منه موضوع فيلم وثائقي مؤخراً الغرفة 237 . صُنّف هذا الفيلم بأنه أفضل وثائقي حول فيلم، لأنه يتعمّق كثيراً في المعاني التي قصد كيوبيرك تمريرها من خلال عمله. وهو يحتوي على كثير من المقابلات والمشاهد والشهادات، تفتح لك نافذةً على فيلم “البريق” لن يمكنك أن تغلقها أبداً. غير أن كيوبريك لا يناقش تلك التحليلات أبداً، ويبقى غامضاً تجاه توضيح أي التباس أو عنصر من عناصر أفلامه، وهكذا ندرك كيف يستمرّ عملٌ تخطىّ عمره الثلاثين عاماً عالقاً في أذهاننا حتى يومنا هذا.

video#1

blog comments powered by Disqus