المدوّنة

العودة الى القائمة

نقد سينمائي: لا (I)

15 أكتوبر 2012

بقلم ريم صالح من أبو ظبي

الفيلم: لا (I)
العام: 2012
إخراج: بابلو لارين
بطولة: غايل غارسيا بيرنال 8/ ، ألفريدو كاسترو و أليخاندرو غويك
مدة العرض: 115 دقيقة
البلد: التشيلي

تدور أحداث الفيلم في التشيلي عام 1988 في ظلّ الحكم الديكتاتوري لأوغوستو بينوشيه، حول حملة “لا” التي أنهت 15 عاماً من إساءة إستخدام السلطة والحكم العسكري.

رونيه سافيدرا (غايل غراسيا برنال)، موظف إعلانات حسب الطلب هو ابن المعارض التشيلي البارز الذي نُفي، وهو أيضاً والد أعزب انفصل عن زوجته التي يحاول التصالح معها. لكن بعيداً عن هذه العلاقة المليئة بالمشاكل، تمكن من تحقيق نجاح بارزٍ في مهنته في عالم الاعلانات التلفزيونية.

يقوم أحد أصدقاء والده القدامى بزيارةٍ مفاجئة له، ويطلب منه قيادة الحملة الإعلانيّة للجناح اليساري. للمرّة الأولى منذ حكم بينوشي، وبسبب الضغوط الدوليّة، أعطيت المعارضة مدة 15 دقيقة من البث لتغيير الرأي العام ليصوّتوا بـ “لا” ضد الطاغية في الإستفتاء الوطني المقبل.

يقبل رونيه العمل كـ “مستشار“، وهي صيغة مخفّفة لمساهماته النشطة وذلك لتجنّب غضب مسؤوله اليميني لوتشوغوزمان (ألفريدو كاسترو). اجتماعاته السرية والمتأخرة تعوّض دوره الأساسي في هذه الحملة، بينما يقضي النهار في حضور اجتماعات العصف الذهني الخاصة بالمنتجات التافهة.

يرى رونيه في هذه الحملة أملاً في رفع معنويّات التشيليين بعيداً عن استغلال صور التعذيب والخطف القوية والمتوقعة في آن. بدلاً من ذلك، يسعى إلى وضع استراتيجية أكثر إبداعاً وإيجابية، عنوانها العريض هو “السعادة”. وهكذا يؤدي استخدامه لرموز غير تقليدية كألوان الطيف إلى حصد ردود فعل إيجابيّة جداً لدى الجمهور. لكنّ ضغوط النظام شبه الديموقراطي جعل من المهمّة أكثر صعوبة مما كان متوقعاً وخصوصاً بعد توظيف المسؤول عن رونيه في حملة “نعم” المنافسة.

صوّر الفيلم على شريط فيديو كاسيت “يوماتيك“، بألوان وتركيبة تتطابق مع تقنيات أواخر ثمانينيات القرن الماضي. عندما تشاهده، تشعر أنّه فيلم منزلي ترافقه لقطات مقرّبة وحركات مفاجئة للكاميرا لكنّه يضيف دفئاً ومقاربة واقعيّة عادةً ما تستخدم في الأفلام الوثائقية. لم تكن هذه الأمور لتظهر واضحةً للعيان، من دون الأداء الأكثر من رائع للممثل غايل غارسيا بيرنال، حيث أنه الدور الأكثر نضوجاً له حتى الآن. وشهدت القاعة تصفيقاً حاداً لدى ظهور شريط الأسماء عند نهاية الفيلم، لا سيما عند ظهور اسمه على شاشة مهرجان أبو ظبي السينمائي.

مع كلّ الثورات التي قامت في المنطقة، يبدو هذا الفيلم خالداً، ومرآة رمزية تعكس- ربما عن غير قصد- ما نعيشه منذ فترة في الحرب القائمة ما بين الشعوب والطغاة. كما يصوّر الفيلم تسخير الاعلام بكل طاقته لخدمة الحملة، في ما يشبه الدور الذي لعبته وسائل التواصل الاجتماعي في الثورات العربية الأخيرة.

فيلم “لا” لبابلو لارين هو الفيلم التشيلي الذي ترشّح لجائزة أوسكار أفضل فيلم ناطق بلغة أجنبية للعام 2012. يدخل هذا الفيلم مع بريقه العاطفي وعفويته مباشرةً إلى القلب. “لا” هو من نوع الأفلام التي تعزّز الشكوك لدى المشاهد وتبعث فيه شعوراً إيجابياً، تماماً كالشعور الذي تبعثه الحملة. إنه يطرح علامات تساؤل حول السلطة والالتزام العاطفي والأخلاقي. إنّه برأيي أفضل ما شاهدت هذا العام.

blog comments powered by Disqus