إضاءة على "القرصنة على الإنترنت"
13 يناير 2013

منذ اختراع شريط الكاسيت، أصبحت فكرة نسخ وإعادة توزيع وتقليد أعمال الفنانين فكرة مقبولة اجتماعياً. مع تطور التكنولوجيا، أصبحت القدرة على حفظ وابتكار المحتوى في يد المستهلك، ومع هذه الحرية تمكّن المشاهدون والمستعمون من مشاركة المحتوى وتقديم التوصيات بهذا الشأن. هذه المقدمة عن انتقال المعلومات إلى الفنانين وصانعي الأفلام عبر الوسائط الإعلامية مثل الدي في دي وشرائط الفيديووالسي دي وشرائط الكاسيت، بدأت ولا تزال تبتكر ثقافة غير واضحة حيث تم استبدال فكرة شراء المحتوى بفكرة مشاركة المحتوى. وقد تأثر منظور “المشاركة” بمواقع إلكترونية مثل “نابستر” و“كازا” و“بايرت باي“، التي استبدلت شراء نسخ من الإفلام من الشوارع بتوفير إمكانية الوصول إلى كل شيء عن طريق التحميل ومشاركة الأفلام ومواقع بث المحتوى. ولدت هذه المواقع نتيجة الإستجابة البطيئة من الشركات الإعلامية لحركة التوزيع الرقمية، ما منح المقرصنين هامشاً من الحركة والوقت. الأمر الأهم لمصادر المحتوى المجاني كان عنصر التفاعل، الذي دفع الأفراد إلى البحث عن المحتوى للتواصل مع من يشاركونهم به. وبغض النظر عن تطور المواقع التي مكنّت المقرصنين من التوسع بسرعة، فإن تأثير هذا الأمر مؤكد: فالقرصنة تؤثر سلبياً على صانعي الأفلام المستقلين والفنانين العرب من جميع أنحاء المنطقة من خلال عرقلة قدراتهم على تعويض الدخل الذي يحتاجونه وتأسيس صناعة سينمائية مستدامة.
تستمر القرصنة بتغيير علاقتنا بالمحتوى وبالفنان الذي أوجده. مع هذا التغيير في التفكير، يتساءل المستهلكون ما إذا كان الأمر يستحق دفع سعر التجزئة للفيلم بينما يتيح لنا الكمبيوتر المحمول والتكنولوجيا الجديدة الوصول إلى المحتوى مجاناً. وأصبح هذا التغيير نقطة التحول في علاقة المستهلك مع مزود المحتوى. في منطقة الشرق الأوسط، يمكن لهذا التحول أن يؤثر بطريقة سلبية على تطور صناعة السينما. وإذا تعرضت أفلام السينمائيين العرب للقرصنة، يمكن أن يعرقل هذا الأمر مصادر الدخل ويؤثر على قدرتهم على صناعة الأفلام.
جزء من المشكلة هو أن المشاهدين حددوا شروطهم الخاصة، فلا حاجة بعد الآن للذهاب إلى السوق أو مكان معين. قام ممثلو هذه الصناعة بالتمرد ضد هذه الحالة التي تحدّ من نفوذهم من خلال استخدام إعلانات ذات انتاج سيء وتعريف الجمهور بالأشخاص الذين أنتجوا الأفلام وعن طريق التشكيك بأخلاق الذين قرروا الضغط على زر التحميل. حاول المحامون الذي يمثلون صناعة السينما والموسيقى مقاضاة الأفراد بهدف تخويفهم، وحاولوا أيضاً مقاضاة الشباب الصغار والمراهقين، واعتبر عالم التسجيل هذا بنظر العامة بمثابة عمل لا أخلاقي.
على الرغم من أن الجدلية الأخلاقية أن “أنزّل او لا أنزّل” قد برزت إلى مقدمة الوعي الشعبي، بقي شيء واحد مؤكد وهو أن القرصنة قامت بتغيير الصناعة. فمن دون الطبيعة التخريبية لثورة تنزيل المعلومات بطريقة غير شرعية، لم يكن الموزعون مستعدين لهذه الرجة لعقد صفقة مع منصات مثل “آي تيونز” و “نتفليكس”. سمح حلول أسواق إلكترونية سهلة الإستعمال والدخول إليها للمستخدمين تنزيل وبّث المحتوى بطريقة شرعية. ويمكن معرفة عدد مستخدمي أي تيونز من خلال العدد الكبير للتنزيلات التي تتخطى الآن 10 مليار تنزيل. يظهر نجاح أي تيونز بأن استخدام منصة ملائمة وتوفير المحتوى بسعر مناسب، يجعل من المستهلكين راغبين في الدفع. ومع 28 مليون أغنية و 45 ألف فيلم، تعتبر أي تيونز واحدة من أفضل الأسواق الرادعة للقرصنة.
غيرت ثورة القرصنة عادات المشاهدين وأثرت على الذين يوفرون المحتوى ليعكسوا بشكل افضل حاجات المستهلكين. العديد من المشاهدين وعشاق الأفلام في الشرق الأوسط يتوجهون إلى القرصنة لأنها توفر لهم الوسيلة الوحيدة للدخول إلى المحتوى غير المراقب من صانعي الأفلام المحليين والدوليين. وبالنظر بشكل أعمق إلى القرصنة في الشرق الأوسط، تأتي السعودية في الدول العشرة الاولى التي تقوم بالقرصنة مع 35% من السكان يقومون بتنزيل المحتوى بطريقة غير قانونية. على المسرح العالمي، تصنف منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا في المرتبة الرابعة مع مشاركة 58% من الناس في قرصنة المحتوى. وبالنظر إلى اتساع تأثير القرصنة على كامل المنطقة، برزت الحاجة إلى القيام بالمزيد من الأمور للتأثير في المستهليكن وتغيير توجهاتهم وسلوكياتهم في هذا المجال.
نتيجة العقلية المتغيرة لمتابعي الأفلام حول العالم، بدأت الشركات بالإمتثال وتقديم خدمات منها فيديو وفق الطلب التي تتيح للمستهلكين الدخول الفوري إلى المحتوى. علقت كارين شايبان مديرة الإستحواذ في إنتيغرال على هذه الموجة الجديدة من تجربة المحتوى:
منذ ثلاثة سنوات، لم يعرف أحد في الشرق الأوسط عن الفيديو وفق الطلب او ممارسة حقوق شراء الفيديو وفق الطلب. فلم يوجد أي منصة توفر هذه الخدمة. يمكنك الآن رؤية العديد من الشركات توفر خدمة الفيديو وفق الطلب في كل مكان، ما يتيح للمشاهدين استهلاك المحتوى عبر أجهزتهم المختلفة. وفق تجربتي، إن منطقة الشرق الأوسط مولعة بالمحتوى المجاني. إن التحدي الذي يواجهه المزودون هو حثّ الناس على الدفع مقابل المحتوى الذي يحصلون عليه، وإذا لم نصدر فيلماً بمنصات متعددة، سيتوفر في اليوم التالي بواسطة قنوات غير قانونية للتوزيع.
من خلال جعل المحتوى في متناول المستهلكين، يساعد الامر على تقليل مخاطر القرصنة لصاحب المحتوى. في المقابل، لا يمكن وبأي شكل من الأشكال إنهاء هذه الظاهرة. هذا التغير في السلوك بين المشاهدين ومزودي الخدمة يتأثر إلى حد كبير بقدرة الدخول التي تمنحها القرصنة للمستهلكين. عند اختبار المشاهدين لتنزيل فيلم في 20 دقيقة، ستتغير بالتأكيد علاقتهم مع المنتج بطريقة لا يمكن إصلاحها. يشعر البعض بان أصل القرصنة هو السرقة، لكن الكلام هنا أكثر تعقيداً من ذلك كون مالكي المحتوى يخافون دائماً من المستقبل. وبدل الإعتماد على التكنولوجيا، أصبحوا مترددين جداً. ولهذا يحتاج مالكو المحتوى إلى فهم افضل للتحولات الديموغرافية والعقلية التي تطرأ على الجمهور.
تدير الأجيال القديمة معظم الشركات الإعلامية وهم معتادون بشكل كبير على شراء الموسيقى عبر الإسطوانات الفينيل. نتيجة لذلك، أصبحوا بعيدين عن الجيل الجديد من المستهلكين الذين يستطيعون وضع 5000 ملف أغنية أو فيديو على جهاز أي بود بكبسة زر. فهذا الجيل يريد الحصول على الموسيقى والأفلام في المكان والزمان الذي يريد. ولهذا تحتاج صناعات الموسيقى والأفلام وصانعي الأفلام إلى توفير محتواهم رقمياً وبأسعار مقبولة، وعندما يقومون بهذا الأمر، ستستفيد الشركات الإعلامية والمستهلكون والفنون من هذا التحول.
بغض النظر عن الموقف الذي تتبناه من القرصنة، من المؤكد أنها ساعدت على تغيير الوسائل التي ينظر الناس من خلاها إلى المحتوى. أما النقاش حول القرصنة فمتواصل، في المقابل، من دون تغيير القرصنة على الإنترنت، سيستمر صانعو الأفلام في الشرق الأوسط بالمعاناة لتطوير مهنتهم وخلق صناعة سينمائية مستدامة. تتواصل مكافحة القرصنة في منطقة لا تتخذ أي إجراءات مهمة في هذا المجال، وسيواصل صانعو الأفلام مواجهة التحديات لخلق رواياتتهم وعرضها على الجمهور الدولي. في النهاية، ستحدد القرصنة في الشرق الأوسط مستقبل صناعة الأفلام في المنطقة.