المدوّنة

العودة الى القائمة

حياتي "الذهبية السوداء"، بقلم مهند الملحم

21 مارس 2011

اسمي مهند الملحم، وأنا واحد من مساعدي الانتاج الثلاثة الذين وظفتهم مؤسسة الدوحة للأفلام للعمل بموقع تصوير الفيلم العربي الضخم القادم “الذهب الأسود“، والذي انتهى تصوير أجزاء منه هنا في قطر، منذ فترة قصيرة.

تتساءلون بالطبع كيف وصلت إلى هناك؟ يمكنني القول إنني لطالما كنت شغوفاً بالتمثيل، منذ نعومة أظافري، وحين كبرت بدأت بالتواصل مع الجهات المعنية على شبكة الانترنت وإضافة إسمي على كل اللوائح الممكنة والتي يمكن أن توفر لي فرصةً مماثلة. وحين بدأت مؤسسة الدوحة للأفلام بتنظيم ورشات التمثيل التدريبية، سجلت على الفور، وقد شاركت حتى الآن في دورات وورشات قادها هشان سليمان، وأشرف فرح، وحتى كيفين سبايسي! كما أني مثلت أدواراً ثانوية في أفلام قصيرة، كفيلم “دنيا” لأمير غونيم، و“مدينة اللؤلؤ” لمحمد ابراهيم، كما توليت دور القراءة في فيلم بن روبنسون القصير “كوزميك فينكس”.

دائماً ما أبحث عن وسائل تمكنني من الانخراط في أي أمر له علاقة بالسينما، سواء أمام الكاميرا أو خلفها، لذا حين اتصلوا بي في مؤسسة الدوحة للأفلام بخصوص فيلم “الذهب الأسود” القادم، وافقت فوراً. حين عرضوا عليّ أن أكون مساعد إنتاج في موقع التصوير، طرت من الفرح، وانتظرت بفارغ الصبر أن أبدأ!

وخلال فترة عملي بموقع تصوير “الذهب الأسود“، تسلمت موضوع المواصلات، حيث كنت مسؤولاً عن كل السيارات الموجودة هناك. وجدت العمل في هذا القسم رائعاً، لأنه سمح لي برؤية ومقابلة العديد من الأشخاص العاملين في هذا الانتاج الضخم – ابتداءً من المخرج والمنتجين، إلى الكومبارس، وحتى بعض الممثلين أنفسهم! الأفضل من ذلك كله، تمكنت من رؤيتهم وهم يعملون في موقع التصوير، الذي كان أكبر مما تخيلته.

بعد أيام قليلة فقط من بدئي العمل بموقع التصوير، لم أتمكن من إلقاء نظرة على عالم السينما فحسب، ولكني استمتعت بذلك كثيراً! كان العمل مع فريق الذهب الأسود رائعاً، فقد كان جميعهم ودودون، ومتفهمون لحقيقة أنها تجربتي الأولى في عالم الأفلام الروائية التي بهذا الحجم.

كل يوم كنت أقترب أكثر فأكثر إلى موقع التصوير… وبالتالي إلى كل الأكشن! رأيت جنوداً يخوضون الحرب، ومركبات تشتعل، ورصاصات مزيّفة تتطاير في كل مكان. تعرفت وتعلمت من أشخاص يعملون في مجال السينما، من الفريق التقني إلى الماكيير وكتّاب السيناريو. بدت لي المعرفة التي يمتلكونها كبيرة، لا حدود لها، وكان الجميع طيبون لدرجة مشاركتها معي. أما بالنسبة للتصوير، فلا شيء يمكنني قوله باستطاعته وصف التواجد في موقع التصوير. كان أمراً لا يصدق، وجعلني أشعر أنني جزء من شيء مميز جداً. حين كان يسألني الناس “أين كنت؟“، أو “كيف كان يومك؟“، كنت أبتسم ببساطة وأقول: “إنه يوم عادي في حياة شخص يعمل بموقع تصوير “الذهب الأسود”…!

بدأت أشعر أن موقع التصوير هو بيتي، بطريق أو بأخرى. أصبحت الوجوه مألوفة، وبات الناس أكثر لطافة. ولم تتوقف الأحداث الكبيرة عن الحدوث في موقع التصوير: طائرة قديمة تطير فوق رؤوسنا، جثث مزيّفة لأشخاص وجمال مغطاة بالدماء بدت حقيقية لدرجة كبيرة، ملقاة في كل مكان حولنا. رأيت الممثلين يركضون في المشاهد، وهو يلبسون أزياء خاصة، يلحق بهم فريق التصوير، بينما المخرج يراقب كل شيء. وكي أختصر ما أشعر به تجاه ذلك كله، يمكنني أن أقول جملة واحدة قصيرة: أشعر بأنني أصبحت موقع التصوير، وأن موقع التصوير أصبح أنا!

أثناء تصوير أحد المشاهد، كنا في وسط عاصفة رملية، قوية لدرجة أنها كانت تحجب عنا الرؤية، وكانت الرمال تخبط على جسدي وكأنها رصاص حي. وكأن الطبيعة تظهر لنا قوتها وتتحدانا، ولكننا كنا على قدر التحدي ومستعدون للقتال! جعلني ذلك أدرك أن لا شيء مستحيل في موقع التصوير – بغض النظر عن الطقس العاصف، وبغض النظر عن الغبار والرمال والرياح الهوجاء: استمر التصوير كأي يوم آخر. لم نكن في ساحة قتال، ولا وسط معركة، كنا نصوّر فيلماً، وكان ملفتاً كيف أن المخرج تمكن من التكيّف مع الظروف غير المناسبة وغير المريحة – كالظروف غير المريحة التي يأتي بها أي تصوير في موقع خارجي!

لسوء الحظ، كل الأشياء الجميلة لها نهاية، وفي حين تسارعت الأيام في موقع التصوير، ومر الوقت بسرعة، صرت أعد أيامي الأخيرة في الموقع. بدأت أودّع الجميع وكل شيء على طريقتي الخاصة، متمنياً لو كان باستطاعتي أن آخذ معي ما هو أكثر من الذكرى. لست متأكداً متى سأعمل في مشروع بهذا الضخامة مجدداً، ولكن آمل أن يكون ذلك قريباً! كانت التجربة ضخمة بما يفوق كل معنى للكلمة، لأن الأمور التي باستطاعتنا القول إنها غيرت حياتنا، قليلة جداً – بالنسبة لي “الذهب الأسود” هو أحد هذه الأمور.

في اليوم الأخير في موقع تصوير الذهب الأسود، تضمن المشهد الأخير انفجاراً. رأيت حدوثه بأم عيني، وكان الأمر رائعاً – يا لها من نهاية لي! وقفت هناك، وأنا أشعر بالحنين، وتخالجني شتى المشاعر، أشاهد الحريق يكبر ويكبر؛ وباتت النار تلامس الأفق وكأنها تلامس السماء. كنت موجوداً حين صوروا المشهد الأخير لهذه الملحمة الرائعة؛ كنت موجوداً هناك حين سمعتهم يقولون “إنها النهاية”!؛ كنت موجوداً هناك حين رفعوا المخرج على سواعدهم وهللوا. و مع رحيل آخر سيارة من موقع التصوير، كنت فيها. شعرت بأني تركت جزءاً مني هناك. لقد انتهت أكبر تجربة سينمائية لي في حياتي، وأعلم أنه من الآن فصاعداً، لن يكون بمقدوري النظر إلى الأفلام بنفس الطريقة مجدداً!

blog comments powered by Disqus