المدوّنة

العودة الى القائمة

نقد سينمائي: السيد لزهر

10 مارس 2013

يبدأ يوم دراسي ماطر كغيره من أيام الدراسة الأخرى، حيث يلهو الأطفال مع زملائهم في ملعب المدرسة المغطى بالثلج في مونتريال. تختفي ملامح جمال الثلج الأبيض والسترات الملونة تدريجياً لنتعرّف على ماري فريدريك (ماري إيف بيورغارد) وسيمون (إيملين نيرون) اللذان يدردشان ويتناولان الطعام من جيوب معاطف الشتاء. يسرع سيمون ليقوم بواجباته المدرسية في توصيل الحليب عندما يكتشف مأساة يتردد صداها في أنحاء المدرسة.

يتم تصوير شخصيات الطلاب الحيوية والطريفة والساحرة على خلفية حادث مأساوي حزين، فيكافحون للمحافظة على لعبهم بينما يتعاملون مع قضايا لا تتناسب مع عمرهم. ابتداءً من المشهد الأول مع ماري فريدريك وسيمون، يتحدد إيقاع الفيلم من خلال مزاحهما الطريف والإبتسامات والإشارات. يعطي استخدام التصوير السينمائي لمحة أولية عن حياتهما وحياة الطلاب الآخرين، وتتيح لنا زوايا الكاميرا المنخفضة رؤية العالم من خلال عيونهم، سواء كانت المدرسة أو الملعب أو الأغراض الشخصية المخبأة داخل مقاعد الدراسة. تعكس الكاميرات القريبة والمحمولة إحساساً حقيقياً بالحميمية يتيح لنا التعاطف مع صراعات الأطفال ويعزز براءة مشاعرهم. في النهاية، يقدم المخرج العالمي فيليب فلاردو فيلماً نابضاً بالحياة يقدم للمشاهد بحركة بطيئة تظهر من خلال التصوير السينمائي وتطور الرواية.

صورت العديد من المشاهد في الفيلم عبر نافذة أو سياج مطل على الأماكن الخاصة بالطلاب في المدرسة أو الملعب. حتى أن المشهد الإفتتاحي للفيلم يضمن للجمهور رؤية الملعب المغطى بالثلج قبل أن يطّلعوا على أحداثه. هذه الحواجز البصرية بين المشاهدين والطلاب تجعل المشاهد بعيداً عن الأطفال ويسعى للتعاطف معهم وفهمهم، بينما يغوص تدريجياً في مجتمعهم.

حين نشاهد هذا الفيلم، ستشبه تجربتنا تجربة السيد لزهر (فيلاج) إلى حد بعيد، فهو يحضر ليدرّس الطلاب ويقدم أفضل ما لديه متبعاً أسلوبه القديم في التعليم. وكونه مهاجر جزائري، يعدّ السيد لزهر دخيلاُ وغريباً يتلمس طريقه ببطء إلى حياة الأطفال. من هنا تقل عدد اللقطات التي تظهره وهو ينظر إلى الساحة عبر النافذة أو يقف على السطح الخارجي، بينما تأخذ علاقته بالطلاب منحى آخر.

ينتقل السيد لزهر من العالم الخارجي للمدرسة إلى الداخل من خلال كسب ثقة طلابه. أحد المشاهد المؤثرة في الفيلم عندما ينضم السيد لزهر للأولاد في صف اللغة الإنجليزية في محاولة لاكتساب بعض المصطلحات وتوسيع معارفه باللغة. في هذا المشهد، يجلس السيد لزهر في آخر الصف على طاولة مثل الطلاب تماماً، ليمزج عالمين مختلفين ويصبح واحداً من الطلاب كونه يتلقى دروساً مثلهم تماماً.

ويمكن ملاحظة هذين العالمين عندما يحضر السيد لزهر إلى الصف مع مأساته الخاصة التي تفطر القلب، وطبيعته القلقة التي يحتفظ بها لنفسه وتبدو جلية في كل أعماله وحركاته. تتوازى حياة الطلاب مع حياة السيد لزهر في كثير من المشاهد في الفيلم، حيث يتعرض الأستاذ والطلاب على حد سواء للكوابيس والإنتكاسات العاطفية، ويستخدمان الصور للإحتفاظ بالذكريات عن أشخاص فقدوهم.

إن فكرتي الإنتقال والمأساة أساسية في حركة الفيلم، واحدة منها تبدأ في كآبة الشتاء والإنتقال إلى إعادة الصحوة إلى الحياة التي يبعثها الربيع. يبتكر فلاردو دراسة مركبة للخسارة والحزن من جهة والتعافي والحب من جهة أخرى، ليخرج فيلماً مؤثراً وساحراً وبليغاً ومضحكاً في كثير من الاحيان، وليظهر لنا بأن الحضور إلى الدراسة مثقلاً بمأساة، مهما كان حجمها، هي رحلة مشتركة للجميع.

إذا رغبت بمشاهدة هذا الفيلم المميز الذي فاز بجوائز عدّة، يسرنا إبلاغك بأنه يعرض ضمن أسبوع السينما الفرنكفونية. لمزيد من التفاضيل، اضغط هنا.

blog comments powered by Disqus