المدوّنة

العودة الى القائمة

نقد سينمائي: أمور(حب)

02 مايو 2013

بقلم ريم صالح

ماذا يعني أن تكون غارقاً في الحب؟ هل تكون مرتبطاً لتحصل على الأفضل أو الأسوأ؟ هذا السؤال هو الفكرة الرئيسية لفيلم مايكل هانيكه الجديد “حب“، الذي فاز بجائزة السعفة الذهبية في مهرجان كان السينمائي هذا العام والمنافس الرئيسي في قائمة الأفلام المرشحة لجوائز أوسكار.

يتوجه الفيلم بطبيعته العالمية إلى كل إنسان، يستعيد ذكريات الأهالي والأجداد في مرحلة العجز والكبر، وهي المرحلة التي يظهر فيها الإختبار الحقيقي للحب. جورج وآني في الثمانينات من عمرهما، زوجان متقاعدان من تدريس الموسيقى، أمضيا عمرهما في روتين دائم في القراءة ومناقشة الكتب، يتذوقان الموسيقى ويستمعان لقصص بعضهما البعض. في يوم من الأيام تتعرض آني لاعتداء يسبب لها شللاً جزئياً، وتبدأ صحتها بالتدهور تدريجياً. يدرك جورج تماماً بأنها البداية لنهاية مؤلمة، لكنه وعد زوجته بأنه لن يأخذها إلى المستشفى مرة أخرى.

يبدأ الفيلم بهجوم الشرطة على منزل الزوجين العابق برائحة الموت. في الغرفة، يتمدد جسد امرأة عجوز على سرير محاط بالورود، ثم يظهر على خلفية سوداء عنوان “حب”. هذا هو المشهد السريع الوحيد في الفيلم، بينما صممت باقي المشاهد لتسير ببطء لتعكس العمر الكبير والدخول في العالم الآخر. تدور أحداث الفيلم بالكامل في الشقة حيث تعزل الشخصيات نفسها بإرادتها ورضاها.

يقرر جورج أن يقوم بدوره بالكامل في رعاية شريكة حياته من دون مساعدة أي من أفراد العائلة، كونهم لن يفهموا حساسية الموقف في التعامل مع إنسان كان منذ فترة بسيطة قوياً جداً والآن أصبح بهذا الضعف. تضع مقدمة الفيلم الأسس لعلاقة قوية، فهذه السنوات الطويلة التي أمضاها معاً، انعكست في تفاصيل دقيقة يمكن للمرء أن يشعر بها منذ الدقائق الأولى. في مرحلة لاحقة، لا تستطيع آن السير لوحدها وتحتاج إلى التأقلم مع الوضع الجديد. إنها البداية فقط لتجربة ستقتحم حياتهما عاجلاً أو آجلاً.

الفيلم معركة مستمرة تتطلب قوة هائلة للتعامل مع علّة في الجسم والعقل لا مفر منها. لكنّ اليأس الذي يظهر في لحظات التعب الشديد، يبقى مقروناً بأمل نهاية هذا العذاب. ويبقى الحافز لهذا الأمر الروابط القوية التي تربط الزوجين معاً وتظهر في الحب والإحترام التي يكنه الواحد منهما للآخر. لهذا السبب أصبح من الصعب جداً أن تصبح آني شخصاً يعتمد على الآخر بالكامل، تماماً مثل طفل صغير. يلتقط المفهوم الآخر إحباط آني من ترك زوجها لوحده وقلقها من أن تصبح عبئاً ثقيلاً.

الفيلم تجربة عميقة يعكسها الأداء الساحر لـ إيمانويل ريفا (هيروشيما حبيبتي) و جين لويس ترينتيجنانت (وخلق الله المرأة). إنه يتحسس الخطوات الثقيلة نحو الكبر الذي سيغير وإلى الأبد مفهوم بعض ما نعتبره أحياناً أمراً لا بد منه. فهو يبرز عملية التمهيد المشتركة للحياة والموت ويذكرنا بالمعنى الحقيقي والمجرد للحب. إنه فيلم عاطفي بقوة سيطبع في عقول المشاهدين إلى الأبد. صحيح أنه من السهل تحريك مشاعر الناس والتأثير فيهم، لكن لا يمكن إظهار عملية الموت التي قام بها هاينكه إلا من قبل أستاذ محترف. إنه مقاربة روائية بسيطة مليئة بالتفاصيل الشاملة التي تطرح العديد من الأسئلة حول الحياة والعالم الآخر.

blog comments powered by Disqus